هل ستصبح أدوبي (Adobe) كوداك الجديدة في عصر الذكاء الاصطناعي؟
تذكرون كوداك؟ الشركة التي اخترعت التصوير الرقمي ثم ماتت بسببه. نعم، تلك الحكاية التي يرددها المستثمرون كتحذير أبدي: “حتى العمالقة يسقطون”. واليوم، بعض الأصوات تتحدث عن أدوبي وكأنها على وشك تكرار نفس المشهد في عصر الذكاء الاصطناعي.
لكن لحظة… هل يعقل أن شركة تحقق نموًا في الإيرادات يقارب ١٠٪، وتتفوق على توقعات الأرباح ربعًا بعد ربع، وتعلن عن تدفق نقدي قياسي—تتداول وكأنها على وشك الإفلاس؟ أليس هذا نوعًا من الجنون؟
المفارقة أن سوق الأسهم لا يهتم كثيرًا بالحقائق حين يشتعل الخوف. المستثمرون يركّزون على العناوين الكبيرة: “الذكاء الاصطناعي سيقضي على أدوبي”، ويتجاهلون التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق: ٢٤ مليار صورة أنشأتها Firefly، أو عقود المؤسسات العملاقة التي ما زالت تدفع مقابل منتجات أدوبي.
في هذا المقال سنسرد القصة على طريقة “قائمة”: ٥ مخاوف يرفعها المتشائمون، و٥ حقائق تدفع المتفائلين للاعتقاد أن أدوبي ليست كوداك الجديدة، بل ربما القصة المعاكسة تمامًا.
١. هل تهدد أدوات الذكاء الاصطناعي المجانية مستقبل أدوبي؟
- المخاوف: مع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي مثل Midjourney وCanva وRunway، يزداد الحديث عن نهاية برامج التصميم التقليدية. لماذا يدفع المستخدم مئات الدولارات سنويًا مقابل فوتوشوب أو بريميير برو بينما البدائل المجانية متاحة بلا مقابل؟ هذا السيناريو يجعل البعض يشبّه أدوبي اليوم بـ كوداك التي اخترعت التصوير الرقمي لكنها انهارت لاحقًا. ومع تقلبات أسهم التكنولوجيا، يبدو هذا القلق منطقيًا للوهلة الأولى.
- ولكن الحقيقة: عملاء أدوبي الأساسيون ليسوا الهواة، بل المؤسسات الضخمة: شركات الإعلام، الوكالات الإعلانية، الجامعات، وحتى الحكومات. هذه المؤسسات لا تستطيع الاعتماد على أدوات مجانية غير مرخصة، لأنها تحتاج بيئة آمنة قانونيًا (IP-safe) وتكاملًا عميقًا مع أنظمة العمل. ولهذا ما زالت إيرادات سهم أدوبي تنمو بنسبة تقارب ١٠٪، مع تدفق نقدي قياسي يثبت أن الاستثمار في أدوبي لا يزال قائمًا على أساس متين.
٢. هل خسر سهم أدوبي المستخدمين الأفراد لصالح الأدوات المجانية؟
- المخاوف: الملايين ممن استخدموا فوتوشوب المقرصن لسنوات أصبحوا من أوائل من تبنّى أدوات الذكاء الاصطناعي المجانية مثل Stable Diffusion وRunway. هؤلاء المستخدمون لا يرون أي سبب لدفع اشتراك شهري لأدوبي. بعض المحللين يعتبرون هذا نزيفًا طويل الأمد في قاعدة عملاء الشركة، قد يؤثر على نمو أسهم أدوبي ويجعلها أقل جاذبية ضمن قطاع أسهم التكنولوجيا.
- ولكن الحقيقة: الحقيقة أن نموذج أعمال أدوبي لا يعتمد بالأساس على المستخدم الفردي. الشركة بنت قوتها على عقود طويلة الأمد مع مؤسسات كبرى: وكالات تسويق، جامعات، شركات إنتاج، وحتى إدارات حكومية. هذه الفئة لا تستطيع أن تبني أعمالها على برامج مقرصنة أو أدوات غير مرخصة، بل تحتاج منظومة متكاملة من المنتجات المدعومة قانونيًا وموثوقة في أدائها. لهذا السبب ظل الاستثمار في أدوبي قويًا، مع استمرار الشركة في تحقيق إيرادات ثابتة ونمو في التدفق النقدي، ما يعكس اعتماد المؤسسات عليها كعنصر أساسي في بنيتها التكنولوجية.
٣. هل تباطؤ أسهم التكنولوجيا يهدد سهم أدوبي؟
- المخاوف: بعد طفرة كوفيد، بدأت أسواق أسهم التكنولوجيا تشهد تباطؤًا ملحوظًا. كثير من المستثمرين يتساءلون: هل سهم أدوبي مجرد ضحية جديدة لدورة الهبوط العام؟ بعض المحللين يشيرون إلى أن قطاع البرمجيات السحابية يواجه ضغوطًا من ارتفاع أسعار الفائدة وتغير شهية المخاطرة لدى المستثمرين، مما يزيد القلق حول مستقبل أسهم أدوبي.
- ولكن الحقيقة: رغم هذه التحديات الكلية، أدوبي واصلت تقديم نتائج مالية قوية. الشركة أعلنت عن نمو في الإيرادات يقارب ١٠٪، وأرباح تفوقت على توقعات وول ستريت لعدة فصول متتالية، إضافة إلى تدفق نقدي قياسي. هذا الأداء يُظهر أن الاستثمار في أدوبي لا يتأثر بنفس حدة تراجع قطاع التكنولوجيا ككل، بل إن الشركة أثبتت قدرتها على الحفاظ على الطلب القوي على منتجاتها حتى في بيئات اقتصادية صعبة.
٤. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلغي الحاجة إلى أدوبي؟
- المخاوف: كثيرون يعتقدون أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل DALL·E وStable Diffusion ستجعل برامج مثل فوتوشوب أو بريميير برو غير ضرورية. لماذا يتعلم المستخدم تعقيدات التصميم بينما يمكنه إنشاء صورة أو فيديو جاهز بكبسة زر؟ إذا تحقق هذا السيناريو، فقد يصبح سهم أدوبي تحت ضغط مشابه لما واجهته كوداك حين تجاهلت التحول الرقمي.
- ولكن الحقيقة: أدوبي لم تتجاهل الذكاء الاصطناعي بل دمجته في صميم منتجاتها. إضافة ميزات مثل التحرير التلقائي للطبقات في فوتوشوب أو إنشاء صور مرخّصة عبر Firefly جعلت الشركة رائدة لا متأخرة. المؤسسات التي تبحث عن محتوى قانوني وآمن تجد في أدوبي خيارًا لا غنى عنه. هذا الدمج العميق يعني أن الاستثمار في أدوبي لا يتعلق بالخوف من الذكاء الاصطناعي، بل بالاستفادة منه كميزة تنافسية طويلة الأمد.
٥. لماذا يتصرف السوق وكأن سهم أدوبي على وشك الإفلاس؟
- المخاوف: رغم قوة النتائج المالية، يتحرك سهم أدوبي أحيانًا وكأنه في طريقه إلى الانهيار. الانخفاضات المفاجئة في السعر تجعل المستثمرين يتساءلون: “هل هناك أزمة خفية لا نراها؟” هذا السلوك يعزز فكرة أن التشاؤم يسيطر على تسعير أسهم التكنولوجيا بشكل عام.
- ولكن الحقيقة: الأسواق المالية تميل دائمًا إلى تسعير الخوف أعلى من الحقائق. لكن الأرقام لا تكذب: نمو الإيرادات، أرباح تتجاوز التوقعات، تدفق نقدي قياسي، واعتماد المؤسسات الكبرى على منتجات أدوبي. هذه الفجوة بين التشاؤم المبالغ فيه والحقائق المالية القوية قد تمثل فرصة ذهبية. من منظور الاستثمار في أدوبي، تجاهل هذه الحقائق والانجرار وراء “فزاعة كوداك” قد يكون هو الخطأ الأكبر.
الخاتمة: أدوبي بين فزاعة كوداك وفرصة الاستثمار
تشبيه أدوبي بـ كوداك أصبح رائجًا بين المستثمرين المتشائمين. كوداك اخترعت التصوير الرقمي لكنها انهارت لأنها لم تحوله إلى نموذج أعمال مربح. واليوم، يقال إن أدوات الذكاء الاصطناعي قد تفعل الشيء نفسه بأدوبي. لكن الفارق الجوهري أن أدوبي لم تكتفِ بالمشاهدة من بعيد، بل دمجت الذكاء الاصطناعي في صميم منتجاتها، وقدمت أدوات مثل Firefly التي أنتجت أكثر من ٢٤ مليار صورة في بيئة مرخصة وآمنة قانونيًا.
سهم أدوبي يعيش حالة غريبة: أرقام مالية قوية—نمو إيرادات يقارب ١٠٪، أرباح تفوقت على التوقعات لعدة فصول متتالية، تدفق نقدي قياسي—ومع ذلك السوق يتعامل معه وكأنه على حافة الإفلاس. هذا الانفصال بين الواقع والتصور ليس جديدًا في أسهم التكنولوجيا؛ فالسوق غالبًا ما يسعر الخوف والمبالغة قبل أن يعترف بالقيمة الحقيقية.
من زاوية الاستثمار في أدوبي، هناك حقيقة يصعب إنكارها: المؤسسات الكبرى التي تدفع مليارات الدولارات سنويًا لا تبحث عن أدوات مجانية قد تختفي غدًا، بل عن منظومة موثوقة ومرخصة توفر الاستقرار والأمان. هذا العمق المؤسسي هو ما يجعل أدوبي مختلفة عن كوداك. بينما خسرت كوداك جمهورها بالكامل، أدوبي ما زالت تملك قاعدة عملاء يصعب التخلي عنها.
بالطبع، لا أحد يستطيع إنكار أن المخاطر قائمة. قد يستمر سهم أدوبي في التقلب على المدى القصير، وقد يظل التشاؤم مسيطرًا لبعض الوقت. لكن المستثمر الذكي لا ينظر فقط إلى العناوين المخيفة، بل يفكر في الفجوة بين الخوف والحقائق. تجاهل هذه الحقائق بسبب “فزاعة كوداك” قد يكون هو الخطأ الأكبر الذي يقع فيه السوق اليوم.
في النهاية، هذا المقال ليس توصية شراء أو بيع، بل قراءة تحليلية تعكس مفارقة السوق: شركة تحقق نتائج قوية وتبتكر في الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك تُعامَل وكأنها تنهار. ربما، كما يقول التاريخ دائمًا، أكثر الاستثمارات ربحًا هي تلك التي تبدو غير منطقية عندما يحكم الخوف.
مقالات ذات صلة على Arabialists:
- هل أخطأت ببيع سهم SMCI والانتقال إلى سهم Dell؟ ٥ دروس للمستثمرين
- هل يكرر سهم نوفو نورديسك سيناريو ميتا؟: 5 دروس وقت الخوف والانهيار
- أفضل 4 صناديق المؤشرات المتداولة (ETF) الحلال للاستثمار في ألمانيا
اكتشاف المزيد من قوائم عربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.